اللغة القبطية تثير اهتمام جميع المؤرخين وعلماء الآثار

يذكر أشرف اسكندر صادق، عالم القبطيات ورئيس تحرير مجلة العالم القبطي: "ان اللغة القبطية تثير اهتمام جميع المؤرخين وعلماء الآثار وليس فقط علماء اللغات والفقه اللغوي، ذلك لأنهم يرغبون في تعمق دراسة الثقافة في القرون التي أعقبت مصر الفرعونية.


ان اللغة القبطية أو اللغة المقدسة التي استخدمها قدماء المصريين منذ الأسرة الفرعونية الأولى التي حكمت مصر، وهذا يعني من عام 3400 قبل الميلاد حتى حوالي عام 2400 قبل الميلاد، وهذه اللغة هي التي نواجهها في المعابد والتوابيت والمقابر.

وقد تطورت هذه اللغة المصرية عبر الزمان على النحو التالي: نشأت اللغة المتوسطة كلغة أدبية منذ الأسرة التاسعة حتى الثامنة عشرة حوالي عام 2400ق.م. وقد أصبحت هذه اللغة هي اللغة الشعبية خلال هذه الحقبة.

ثم جاءت اللغة الحديثة التي كانت لغة شعبية منذ الأسرة الثامنة عشرة حتى الأسرة الرابعة والعشرين، وهذا يعني منذ 1350ق.م. حتى حوالي 710 ميلادية تقريبا، ويبقى لنا منها عقود وخطابات وحسابات ونصوص تاريخية وأخيرا اللغة الديموطيقية التي كانت تستخدم لتحرير الكتب والنصوص.

أما المرحلة الرابعة والأخيرة من الكتابة القديمة لمصر فتتمثل في الكتابة القبطية التي بدأ ظهورها في القرن الثاني قبل الميلاد في عهد بطليموس.

وتقوم الكتابة القبطية على الأبجدية الاغريقية التي تمت مواءمتها مع اللغة المصرية، وكان الغرض من خلق هذه الكتابة هو تسهيل العلاقة بين الشعب وحكومة بطليموس ذات الأصل الاغريقي، وهكذا أصبحت اللغة المصرية القديمة تكتب بحروف اغريقية تعطي نفس الأصوات مع استعارة سبعة حروف وضمها للكتابة الديموطيقية وهذه الحروف هي الحروف السبعة الأخيرة في الأبجدية القبطية وبذلك يمكن القول بأن هذه اللغة هي الهيروغليفية العتيقة مكتوبة بحروف اغريقية.

أما اللهجات الأربع الرئيسية في اللغة القبطية فهي اللهجة البحيرية وهي لهجة اقليم البحيرة في شمال غرب الدلتا، واللهجة الصعيدية وكانت تنتشر في صعيد مصر، واللهجة الفيومية التي كانت تسمى قديما باللهجة البشمونية، وأخيرا اللهجة الاخميمية في مدينة اخميم، أما اللهجة التي انتشرت في الكنائس والأديرة القبطية فهي اللهجة البحيرية.

واستمرت اللغة القبطية مستخدمة في التخاطب بعد الغزو العربي حتى القرن الثامن الميلادي حين بدأت اللغة العربية تنافس اللغة القبطية منافسة خطيرة، وقد حدث الالزام الفعلي باستخدام اللغة العربية في الادارات الرسمية بعد قرار صدر في عام 705 في ظل ولاية عبد الله بن عبد الملك.

وقد نشرت جمعية مار مينا العجايبي في الاسكندرية في مناسبة عيد النيروز لعام 1947 "رأس السنة القبطية" كتابا أعيدت طباعته سنة 1983 عن اللغة القبطية يؤكد أهمية هذه اللغة، كما نشر الأستاذ بانوب حبشي عالم المصريات في متحف الاسكندرية مقالا في هذا الكتاب عن اللغة القبطية صور فيه مختلف المحاولات التي استخدمت لخنق اللغة القبطية، وقد استند حبشي على المؤرخ القبطي يوسف منقريوس الذ صور على نحو مأساوي يحرك الشفقة ويثير الشعور المحاولات المتعددة التي قام بها الخلفاء لخنق اللغة القبطية وانهاء استخدامها، وفيما يلي ما صور به منقريوس هذه المأساة المتعلقة باستخدام اللغة القبطية:

لم يكتف الخليفة الحاكم بأمر الله "993-1020" بمصادرة كنائس الأقباط ومنازلهم وثرواتهم وممتلكاتهم، كما لم يكتف بما تم من استبدال اللغة العربية عوضا عن القبطية في الادارات الحكومية بعد حكم الوالي عبد الله بن عبد الملك، ولكنه قصد الى اقتلاع اللغة القبطية وازالتها تماما بمنع استخدامها في المنازل والشوارع.. الخ، وجعل لذلك عقوبة شديدة هي قطع ألسنة من يتحدثونها، وقد اتبع الخلفاء الذين جاءوا بعده هذه البادرة البربرية مدركين أنهم بذلك يبيدون الأمة القبطية باسرها، وجاءت فترات ألزم فيها القساوسة بوضع حجاب يغطي الهيكل أثناء اقامة القداس خوفا من الانتقام بل ومن الموت اذا سمع المسلمون الصلاة تتلى باللغة القبطية.

ان تاريخ اللغة القبطية هو انعكاس لتاريخ الأقباط أنفسهم وهي الأثر الوحيد الباقي للاتحاد الفريد بين الماضي والحاضر، وهي أحد أعمدة الوجود القبطي.

وهكذا استطاع العرب أسلمة عدد كبير يتزايد دائما من القبط الذين أرغموا على هجر لغة اسلافهم، ولم يقنع العرب بهزيمة مصر، ولكنهم رغبوا في احتلالها واستعمارها وعندما امتزج المستوطنون بالأسر المصرية أجبروها على لاتحدث بلغة الغزاة.

وبالاضافة الى ذلك فان رجال الدين والرهبان الذين كانوا هم الحراس الأساسيون للتقاليد واللغة، أخذ عددهم يتناقص سريعا، وأصبحت الأديرة مهجورة عندما ارتأت السلطة فرض الضرائب على ساكنيها.

هكذا أجبرت اللغة القبطية، وهي اللغة القومية، على أن تستسلم وتختفي وتنمحي أمام اللغة العربية، واستخدم المنتصرون الجدد القوة لازالة اللغة القبطية ووجودها وبقائها ذاته، لأن اللغة القبطية هي أحد المكونات والخصائص الأساسية للكنيسة القبطية والأمة القبطية.

ومع ذلك فان بقاء اللغة القبطية حتى يومنا هذا يعتبر معجزة يعود الفضل فيها الى الكنيسة القبطية والأديرة.

رغبنا أن نثبت الوجود الفعلي لشعب قبطي هو السليل المباشر لقدماء المصريين كما أردنا أيضا أن نثبت أن الكنيسة القبطية هي احدى أقدم الكنائس في العالم المسيحي وأنها أسهمت عن طريق مدرستها اللاهوتية في الاسكندرية في انطلاق المسيحية وازدهارها.

وان المجتمع الدولي المسيحي سيكسب الكثير اذا أدخل برامج الدراسة الجامعية اللاهوتية بل والدراسة الجامعية العامة تاريخ الكنيسة الشرقية الأولى التي ولدت في مهد الحضارة الذي سيظل دائما وهو مصر.

تعليقات