متى تتوقف فيديوهات الأسلمة والتنصير.. ضحايا التسلط من المسلمين والمسيحيين "يتسلطون" على بعضهم بدلا من التفرغ لمواجهة مشكلات واحدة


الأمر تجاوز حرية العقيدة إلى حرية الطائفية، ومحاربة الآخرين. ونظن أن وراء تلك "السيديهات الطائفية عن أسلمة وتنصير البعض" وراءها من يريد أن تظل الأحوال مشتعلة، ورأينا مظاهرات فى كنائس ومساجد، ومحامين مسيحيين يطلبون ظهور تلك الفتاة أو هذه السيدة، ومحامين مسلمين يسيرون فى الاتجاه الآخر. ولا نعرف ماذا يفيد البعض من نشر الفيديوهات والوثائق بدون داع.

مع الاعتراف بحق كل مواطن فى أن يختار دينه بحرية وبدون ضغط. وهى أمور تحدث كثيرا ومن سنوات فى مصر دون ضجيج أو معايرة أو ادعاء فارغ بالفرح والبهجة. وتعبنا كثيرا من القول إن الإسلام لن يكسب من إسلام شخص ولا المسيحية ستخسر وبالعكس. لكن الأمر تحول إلى مباراة فى الكرة، يصرخ كل فريق بأعلى صوته ويصفق. ويرد عليه الفريق الثانى صراخا بصراخ.

ولنتأمل تعليقات السادة الطائفيين من الجانب المسلم والجانب المسيحى حول فيديو كاميليا بالأمس، التى أعلنت فيه أنها لا تزال مسيحية ولم تغير دينها، وقبل أسبوع كان هناك صور وفيديو لشخص قال إنه أخذها لتعلن إسلامها فى الأزهر وأن الأمن منعها. وثارت مظاهرات من الألتراس المسلم والمسيحى، هؤلاء يطالبون بإظهارها، وأولئك يفعلون، نفس العقول ونفس طريقة الأداء ونفس السحنة التى تصرخ بلا وعى ولا تعرف الفرق بين الدين والمظاهر الفارغة.

النتيجة أن عملية أسلمة أو تنصر شخص تتحول إلى مباراة طائفية تكاد تشعل الأرض، مع أن الأمر بسيط وهى أن العلاقة بين المرء وربه تقوم على احترام النفس واحترام الآخرين.

ونظن أن المؤمنين من الطرفين فى المساجد أو الكنائس أو التعبد لا يبقون بالساعات أمام الشاشات ليكتبوا تعليقات أغلبها "أهبل" ولا يخلو من جهل وكيد وأحقاد. ولا علاقة لهذه الهستيريا بشىء.

لدينا فريق مشغول كثيرا بأخبار الأسلمة والتنصير، أو الصراعات والجرائم التى نفضل أخبارها. ومثلما كان خبر إعلان فتاة فى الإسماعيلية انتقالها من المسيحية للإسلام جاذبا لآلاف التعليقات، كان فيديو كاميليا الذى تؤكد فيه مسيحيتها جاذبا لآلاف التعليقات، وكلها طائفية وغير مفيدة، والذين انشغلوا بالتعليق على تغيير فتاة لدينها ليسوا هم الأكثر إيمانا لأن المؤمنين مشغولون بالعبادة، وليس بالدخول فى مباريات طائفية. يتبادلون فيها الهتاف الأشبه بملاعب الكرة. وربما لا يعترفون أبدا أن الإيمان أمر بين المرء وربه، وأن انتقال إنسان من عقيدة لأخرى لا يضر عقيدته الأولى ولا يفيد الثانية.

من أسابيع لم تتوقف الأحاديث والشائعات عن قضية زوجة الكاهن المختفية، وعودتها وشائعات عن إسلامها، ومظاهرات مسيحية تطالب الكنيسة بالكشف عن مصيرها ومظاهرات فى مساجد تطالب بإظهارها. وكل من طالب من أى فريق هو لا علاقة له بالدين، وإنما بالهوس والتهوس وتفريغ طاقة الهزيمة التى تمكنت من الجميع وحولتهم إلى أن يتحاربوا بدلا من أن يشتركوا فى مواجهة واقع سىء مشترك.

فيديوهات الأسلمة والتنصير تحولت إلى ما يشبه التجارة والرغبة فى الكيد، من قبل متعصبين مسلمين أو مسيحيين حولوا الأديان إلى صورة من مباريات كرة القدم يتعصب كل جمهور لفريقه بصرف النظر عن الواقع، مع أن المؤمن لا يحول إيمانه إلى مباراة فى سب وشتم المعتقدات الأخرى بقدر ما يسعى لتقوية عقيدته وتقديمها فى أفضل صورها، وقلنا كثيرا إن الألتراس الدينى خطر على الإيمان ، لأنه يزرع الكراهية بين المعتقدات الاعتقاد حرية لأى طرف، فإن الأمر يتعلق بتغيير الاتجاه الدينى، وهو أمر يتعلق بقلب المؤمن مسلماً أو مسيحياً، نقول هذا مع وفاء قسطنطين أو كاميليا كما نقوله فى حالة محمد حجازى المتنصر أو المحامية التى تنصرت، وحول كل واحد منهم انتقاله إلى مباراة أو جولة فى مسابقة.

تغيير الدين أو الملة كان موجوداً فى مصر وباقى الدول من سنوات طويلة وكان يتم بهدوء وبدون ضجة إعلامية، ولهذا لم يكن يثير كل هذه المعارك الوهمية، لأن الأمر كان بالفعل يتعلق بالعقيدة وليس بالمنظرة والبيزنس.

لقد كان التعامل مع اختفاء كاميليا من البداية طائفيا، من المسيحيين، الذى سارعوا بالتظاهر قبل أن يعرفوا أسباب اختفائها، ثم عادوا للتظاهر، ومعهم مسلمون فى جانب آخر روجوا شائعة إسلامها. أى أن كلا الطرفين يتعامل بنفس الطريقة.. الصراخ والشائعات والادعاءات.

لقد كانت فيديوهات فتاة الإسماعيلية وقبلها صور كاميليا وبعدها الفيلم الأخير الذى يظهرها كما هى. لعل الفيلم الأخير ينهى هذا الجدل المستمر من أسابيع وكأن المصريين لم تعد لديهم مهام ولا يعانون مشاكل ومتفرغون فقط لمباريات السب المتبادل والتى لا يكسب منها سوى تجار الفضائيات الدينية فى الجانبين الذين يجذبون الإعلانات ويبيعون بضاعتهم الفاسدة علنا للسذج والمتهوسين.

لا يمكن أن يكون كل المصريين بمسلميهم ومسيحييهم متفرغون لمباريات الأسلمة والتنصير وإحراز أهداف فى مرمى الآخرين. فأغلب المصريين يعانون الفقر والجهل والمرض ومشكلات صحية واجتماعية تشغلهم عن الانخراط فى هوس لا ينتهى من السباب الطائفى والتشجيع الذى لا علاقة له بالدين بل علاقته بروح الهزيمة السائدة لدى قطاع واسع ممن لا يجدون عملا ولا يجدون طعاما ولا يرون مستقبلا وأولى بهم أن يحاولوا تأمل حياتهم ومواجهة المشكلات الحقيقية التى تخرج الناس من ملابسهم ومن دينهم لأنها تكفرهم وتبعدهم عن أى طريق.

ملايين الشباب العاطل وملايين مرضى الكبد الفيروسى والفشل الكلوى والسرطان، ومن يشربون ماء ملوثا ويأكلون طعاما ملوثا، ويعيشون وسط أكوام الزبالة وأسراب الذباب، هؤلاء يعبدون ربهم مسلمين ومسيحيين، ولاشك أنهم يدعون ربهم أن يخلصهم من المرض والفقر والزبالة، أو ربما يتذكرون أن دينهم يحضهم على مواجهة الزبالة والمرض بدلا من مواجهة بعضهم.

أنا أعلم أن الألتراس الطائفى سوف يتجاهل هذا الكلام أو يعلق عليه بالسلب ويواصل فحيحه الطائفى، لكنى أعلم أن الغالبية من المصريين ليسوا هؤلاء الألتراس يعيشون من قرون ويحترمون عقائدهم ويعبدون ربهم فى المسجد والكنيسة ويتركون حرية الاعتقاد لأصحابها.

ونتمنى أن تنتهى مباراة الطائفية والفيديوهات التى تشبه فيديوهات الفضائح، وتعطى الفرصة للمرضى أن ينهش بعضهم بعضا باسم الدين والدين منهم براء.

لدينا قطاع متطرف فى الجانبين يتظاهر فى المسجد أو الكنيسة ليطالب بكاميليا أو وفاء، وهو لاتهمه منها شىء، فالله هو الذى سيحاسب كل إنسان على أفعاله، ولم يفد الإسلام أو المسيحية هذا التهوس.

أن هؤلاء الألتراس الطائفى، فى الجانبين يعيشون القهر والكبت، ويخضعون لكل تسلط، ويتشطر بعضهم على بعض، عندما يكتبون تعليقات أو يصرخون فى بعضهم مع أن كل منهم سواء مسلم أو مسيحى يعانى الظلم ويفتقد تكافؤ الفرص والعدل.

والرهان للقضاء على كل هذا هو أن يواصل المؤمنون من المسلمين والمسيحيين إيمانهم المتسامح، لأن المؤمن لا يمكن أن يكون ضارا ومؤذيا.

وليكن فيديو كاميليا هو الأخير، وليصمت صناع السيديهات، ويتركوا لكل إنسان أن يختار عقيدته بحرية بعيدا عن أى تأثير أو هوس يهددنا جميعا.

محنة العقل الطائفى بين المسلمين والمسيحيين، ولا يتعلق بالإيمان، بقدر ما يشبه عقلية "ألتراس" كرة القدم الذين يعميهم التعصب.

الأغلبية لديها إحساس بمشكلة تحتاج إلى حل، وأنه إذا كان لدى المسيحيين مشكلات، فإن أغلبها يتعلق بقضايا اجتماعية وسياسية بسبب غياب الشفافية والعدالة، وتكافؤ الفرص، فى ظل دولة عادلة، وليس دولة تتسلط و" تسلط" مواطنيها على بعضهم.

تعليقات